موريتانيا أولا —ج2/3 ( محاربة العبودية و حركة الحر ، مقترحات للنهوض بالشباب و الاقتصاد )
تانيد ميديا : الجزء الثاني من مقال ” موريتانيا أولا ” : محاربة العبودية و حركة الحر ، مقترحات للنهوض بالشباب و الاقتصاد )
فيما يتعلق بمحاربة العبودية و مخلفاتها تجب الإشادة بالدور المتميز والفعال الذي قام به مؤسسو حركة الحر منذ السبعينات وحتى الآن أمثال مسعود ول بلخير و محمد ولد الحيمر و بيجل ول حميد و عاشور ول صمب و اسغير ول امبارك و بوبكر ول مسعود و كل مناضلي و مناضلات الحركة في إنهاء مظاهر الظلم التي كانت متفشية في البلاد. هؤلاء الرواد، بدعم من القوى التحررية الوطنية، عملوا بلا كلل من أجل تحقيق العدالة والمساواة، وكانوا مناضلين حقيقيين ومخلصين لمبادئهم.
لقد كانت حركة الحر مثالًا للتضحية والتفاني في سبيل تحقيق انعتاق العبيد السابقين، حيث تجاوزت الجهود المبذولة الحدود التقليدية للنضال ضد العبودية، لتصبح حركة شاملة تهدف إلى تحرير الإنسان الموريتاني من كافة أشكال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان. وما يميز نضال هذه الحركة هو رفضها القاطع للإملاءات الخارجية و ربط القضية بعرق أو لون، حيث انصب تركيزها على الإنسان بصفته الإنسانية فقط.
من خلال التزامهم العميق بالقيم الإنسانية السامية، نجح مؤسسو حركة الحر في بناء جسر من التفاهم والتعاون بين مختلف فئات المجتمع الموريتاني، مما ساهم في تعزيز الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي. إن إرثهم النضالي يجب أن يظل مصدر إلهام للأجيال الحالية والمستقبلية لمواصلة العمل من أجل مجتمع أكثر عدلاً ومساواة, وقد آزرتهم في هذا المجال الحركات السياسية القومية كالبعثين و الناصرين و الكادحين و كان للناصرين دورا متميزا في هذا المجال حيث أطلقوا منذ 1977م حملات واسعة كان عنونها “متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”
وقد شملت هذه الحملة الكبرى مناطق واسعة من موريتانيا وخاصة الشمالية و نواكشوط و الحوضين و قد وجدت مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه التي اختيرت لتكون عنوان الحملة تقبلا واسعا داخل صفوف الشباب آنذاك مما ساهم في نشر ثقافة الحوار و اظاهر ان العبودية سلوكا غير أخلاقي يجب التنديد به و قد أسس هذا العمل لمواقف كان لها أثرها الإيجابي مثل وقوف الناصرين مع معتقلي الحر سنة 1980 م من طرف هيدالة و التفاهمات التي حصلت خلال تحضير مؤتمر اتحاد العمال الموريتاني سنة 1981م و القيادة المنبثقة عنه و كذلك تكوينة التحالف الشعبي التقدمي بقيادة الزعيم الوطني مسعود ولد بالخير , و يعود نجاح هذا العمل الى كونه كان مجهودا وطنيا مخلصا هدفه خدمة الوطن بعيدا عن الأغراض الشخصية فأصحابه من الطرفين كان هدفهم الوحيد حصول انسجام بين القوى الوطنية في البلاد في ظل عدالة اجتماعية حقيقية اما أولئك الذين لا يبحثون الا عن المال مهما كانت الوسائل فيجب عدم التساهل معهم.و ما حصل من تفاهم بين الناصرين و الحر حصل أيضا بينهم و القومين الزنوج في اتحاد الطلاب الموريتانيين سنة 1983م حيث تمكنوا من تنسيق مواقفهم في مؤتمر الاتحاد و اختيار قيادة مشتركة بينهما كان رئيسها من الناصريين و أمينها العام من الإخوة الهالبولار و كان بالإمكان مواصلة هذا النهج لان الخلاف يجب ان يظل بين ما هو وطني و ما هو أجنبي لولا بعض القوى السياسية التي لا تريد للقوميين من عرب و أفارقة أن يلتقوا للسير بالبلد الى الأمام بعيدا عن المناكفات العرقية , وقد تمكنت آنذاك من تعكير الأجواء للنيل من هذا التنسيق و هو عمل يمكن القيام به حاليا بعيدا عن المواقف المتطرفة
وهذا السياق يجعلنا أمام ضرورة معالجة إشكالات اجتماعية للحفاظ على وحدتنا الوطنية وتنمية مشتركاتنا الاجتماعية ومن أجل خلق مجتمع محصن أمام دعوات التفرقة المتخمة بالمال الأجنبي.
وفي إطار الدفاع عن المجموعات الهشة لابد من التركيز على فئة الشباب في هذه المأمورية لتمكينهم من تحقيق مستقبل أفضل لهم و للأجيال القادمة .
من هذا المنطلق أقول أن الشباب هو وقود أية فكرة جديدة تطرفية لانعدام جدار العلم و المعرفة و التجربة و حداثة المنطلقات الفكرية إن وجدت،
فرؤيتنا لأهمية الشباب كركيزة أساسية لبناء مستقبل مشرق للبلاد من خلال العمل المشترك وتبادل الخبرات، يمكننا تحقيق الأهداف الطموحة لهذه الرؤية، وبناء جيل واعٍ ومؤهل قادر على قيادة البلاد نحو المزيد من التقدم والازدهار.
وكأرضية للفكرة ولمواجهة سهولة التغرير بالشباب من طرف دعاة العنصرية والتفرقة، يتطلب الأمر تنفيذ برامج توجيه وإرشاد واسعة النطاق وشاملة. هذه البرامج يجب أن تتضمن التكوين الديني والذي يعد قاسمًا مشتركًا حقيقيًا يجمع المجتمع بمختلف فئاته، ومدني مما يعزز الروابط الاجتماعية ويغرس القيم الأخلاقية المشتركة التي تساهم في خلق بيئة من التفاهم والوحدة.
إضافة إلى ذلك، يجب التركيز بشكل مكثف على سياسة التشغيل والتكوين المهني. هذا يتطلب توفير فرص عمل حقيقية ومستدامة تساعد الشباب على بناء مستقبلهم وتحقيق طموحاتهم.
فالتدريب المهني يساهم في تطوير مهاراتهم العملية ويجعلهم أكثر تأهيلاً لسوق العمل، مما يقلل من معدلات البطالة ويعزز من استقلاليتهم الاقتصادية. هذه الخطوات تكون بمثابة حاجز ضد الانجرار إلى الأفكار المتطرفة أو السلوكيات الضارة.
وكذلك تحويل عقود تشغيل الشباب مقدمي الخدمات في كافة المجالات إلى عقود دائمة إذ سيمثل هذا القرار إذا ما اتخذ خطوة مهمة لتعزيز استقرارهم المهني والاقتصادي والمالي وهو إجراء ليست له انعكاسات مالية .
وفي مجال التأطير والتوجيه تبقى مكافحة المخدرات من أكبر التحديات التي تواجه الشباب اليوم. فيجب تبني نهج شامل يشمل التوعية المستمرة حول مخاطر المخدرات وتوفير برامج علاجية ودعم نفسي للأفراد المتضررين. و كذلك التوعية والتدخل المبكر يمكن أن يساعدا في منع انتشار هذه الآفة وحماية الشباب من الوقوع في براثنها يضاف الى ذلك ضرورة تنظيم الأسرة بما قد يوفر ذلك من وسائل للآباء لتربية أبناءهم بأريحية .
هذه السياسات المتكاملة، من التوجيه الديني والتشغيل المهني إلى مكافحة المخدرات، سوف تساعد على توجيه الشباب نحو مسار صحيح ومستقيم و من خلال ذلك، يمكننا تعزيز الانسجام الاجتماعي مما يساهم في استقرار البلاد. عندما يشعر الشباب بأنهم جزء من مجتمع يدعمهم ويوفر لهم الفرص للنمو والتقدم، يصبحون أكثر التزامًا بالمساهمة الإيجابية في بناء وطنهم.
من الضروري أن تنصب جهود جميع الجهات المعنية، سواء كانت حكومية أو مجتمعية أو أسرية، لضمان تنفيذ هذه البرامج بفعالية. يجب أن يكون هناك دعم مستمر وتعاون مشترك لتقديم الدعم والإرشاد للشباب في جميع مراحل حياتهم. من خلال هذا النهج الشامل والمتكامل، يمكننا بناء جيل قوي وواعٍ يساهم في تحقيق التقدم والازدهار الوطني، ويعزز من الوحدة والاستقرار في المجتمع.
أيضا يجب أن يرتكز الاهتمام بطاقة الشباب واستخدامها في تطوير المواد الأولية في البلاد كالحديد والذهب والنحاس والسمك والألبان والجلود والزراعة.
ويجب أن يتم تصميم هذه المشاريع بيد وطنية مؤتمنة وبتمويلات وطنية وأجنبية بهدف إحداث تغيير إيجابي في وضعية الحياة في البلاد، مما يوفر فرص عمل للكل فالعنصر البشري هو هدف التنمية ومحركها
لكن هذا المسار لا تكون مسالكه متاحة إلا بتوفير الأمن فالأمن هو ضمان وركيزة أساسية للوحدة الوطنية. إذ لا يمكن لأي مجتمع أن ينعم بالتقدم والازدهار دون أمن واستقرار يضمن سلامة المواطنين ويعزز الثقة بين أفراد المجتمع الواحد. الأمن ليس مجرد غياب العنف، بل هو حالة من الطمأنينة والاستقرار التي تمكن الأفراد من العيش بسلام والعمل على تحقيق أهدافهم وطموحاتهم دون خوف أو قلق. فالحفاظ على الأمن يعزز الوحدة الوطنية ويجعلها أكثر تماسكًا وقوة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
في هذا السياق، تلعب المؤسسة العسكرية دورًا حيويًا ومحوريًا في الحفاظ على الأمن وتعزيز الوحدة الوطنية. فالجيش ليس فقط حامي الحدود والمدافع عن السيادة الوطنية، بل هو أيضًا صمام الأمان الذي يضمن استقرار الدولة ويحمي مؤسساتها الدستورية من التهديدات المختلفة و عليه لابد من وجود مؤسسة عسكرية قوية وفعالة لها شركاء دوليين متنوعين قادرين على مدها بالدعم المطلوب إن دعت الأمور الى ذلك, خاصة بعد الانهيار التام للمنظومة العربية بعد أن رأينا ما يحصل في فلسطين الذي قد يجرنا أن نطلب من الله ان يحمينا من أصدقائنا أما الأعداء فنحن كفيلون بهم .
وفي سياق التكوين و التأطير، يجب أن نذكر دور التعليم في تعزيز اللحمة الوطنية. فالتعليم هو الركيزة الأساسية التي يمكن من خلالها تعزيز قيم المواطنة والتعايش السلمي. لذلك يجب أن تحتوي المناهج الدراسية على مواد تعليمية تركز على تاريخ موريتانيا المشترك، والإنجازات الوطنية، والأبطال الوطنين، لتعزيز الفخر الوطني لدى الأجيال القادمة. كما يجب تعزيز التعليم باللغة الجامعة، إلى جانب اللغات الأجنبية، لتمكين الطلاب من فهم هويتهم الوطنية والعالم من حولهم، ومن هنا يجب تعميم المدرسة الجمهورية التي هي أساس لكل تعليم مؤسس على مفاهيم المواطنة.
فالتعليم هو الحاضن الشرعي للثقافة،و لقطع الطريق أمام دعاة التفرقة والجهل بخلق مجتمع ذا بعد ثقافي محصن.
وعلاوة على ذلك، يجب على وسائل الإعلام الوطنية أن تلعب دورًا أكبر في تعزيز اللحمة الوطنية من خلال تقديم برامج تثقيفية وإخبارية تركز على القضايا الوطنية المشتركة والإنجازات الوطنية. كما يمكن لوسائل الإعلام أن تكون منبرًا قويًا لنشر الوعي وتعزيز الفهم المتبادل بين مختلف مكونات المجتمع الموريتاني.
كما ينبغي أن نوفر منصات للنقاش والحوار بين أفراد المجتمع مهما كانت متباينة، حيث يمكن للجميع التعبير عن آرائهم ومشاركة تجاربهم ومقترحاتهم.
خلق برامج للتثقيف تتضمن تسليط الضوء على تاريخ البلاد وتنوعها الثقافي والاجتماعي، مما يعزز الوعي بالهوية الوطنية المشتركة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لوسائل الإعلام أن تلعب دورًا في تثقيف الشباب حول أهمية الوحدة الوطنية والعمل المشترك لتحقيق الأهداف الوطنية.
من خلال تبني نهج شامل ومتوازن، يمكن لوسائل الإعلام أن تساهم في بناء مجتمع متماسك ومتعاون بما يعزز التفاهم والاحترام المتبادل بين جميع مكونات المجتمع بما يعد خطوة أساسية نحو الاستقرار. وعندما يشعر الأفراد بأنهم جزء من مجتمع يقدرهم ويسعى لتحقيق رفاهيتهم، يصبحون أكثر استعدادًا للمساهمة بشكل إيجابي في بناء وطنهم والمشاركة في تحقيق أهدافه وطموحاته.
إن الوحدة الوطنية ليست مجرد شعار يُرفع في المناسبات الرسمية،بل هي قيمة جوهرية يجب أن تتجسد في سلوكياتنا اليومية وفي سياساتنا وممارساتنا. علينا جميعًا، كأفراد ومجتمع، أن نعمل على تعزيز هذه الوحدة وحمايتها من أي تهديدات داخلية أو خارجية.
يجب أن نكون واعين بالمحاولات التي تسعى إلى تفرقتنا وأن نقف صفًا واحدًا أمامها. فالتاريخ يثبت لنا أن الوحدة هي القوة التي تضمن استقرارنا وتقدمنا وازدهارنا. فالوحدة الوطنية تعني أن نضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وأن نعمل معًا لتحقيق أهدافنا المشتركة، بغض النظر عن خلافاتنا, و نبتعد عن هواة التفرقة و المتاجرة بالمصالح الوطنية .
و لتعزيز الوحدة الوطنية، ينبغي أن نتبنى ممارسات تعزز من هذا المفهوم في حياتنا اليومية. من خلال التعاون والتعاطف والتفاهم المتبادل.
فيمكننا بناء مجتمع قوي ومتماسك. و يجب أن تكون سياساتنا موجهة نحو تحقيق العدالة والمساواة، وضمان أن يشعر كل فرد منا بأنه جزء لا يتجزأ من هذا الوطن.
كما أن الوحدة الوطنية تتطلب منا اليقظة الدائمة ضد أي محاولات للفتنة والتفرقة. و يجب علينا أن نكون حراسًا على هذه القيمة، ونعمل جاهدين لتوعية الآخرين بأهميتها. و أن نغرس هذه المفاهيم في أجيالنا القادمة , فالتعليم يلعب دورًا محوريًا في هذا السياق، حيث يمكننا من خلاله غرس مبادئ الوحدة والتضامن في نفوس الأجيال القادمة.
فالوحدة الوطنية ليست مجرد مفهوم نظري، بل هي واقع يجب أن نعيشه ونعمل من أجله كل يوم. هي الركيزة الأساسية التي يبنى عليها استقرارنا وازدهارنا. علينا أن نستمر في تعزيزها وحمايتها، لضمان مستقبل مشرق لوطننا وللأجيال القادمة.
يتواصل…